فصل: سورة العلق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.سورة العلق:

مكية وهي تسع عشرة آية.

.تفسير الآيات (1- 14):

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}
عن ابن عباس ومجاهد: هي أول سورة نزلت. والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم {اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ} محل {باسم رَبّكَ} النصب على الحال أي اقرأ مفتتحاً باسم ربك كأنه قيل: قل باسم الله ثم اقرأ الذي خلق. ولم يذكر الخلق مفعولاً لأن المعنى الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه، أو تقديره خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات بتقديره أولى من بعض. وقوله {خَلَقَ الإنسان} تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان إلا أنه ذكر مبهماً ثم مفسراً تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته {مِنْ عَلَقٍ} وإنما جمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عباده النعم ويحلم عنهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال: {الذى عَلَّمَ} الكتابة {بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.
{كَلاَّ} ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه {إِنَّ الإنسان ليطغى} نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة {أَن رَّءاهُ} أن رأى نفسه. يقال في أفعال القلوب: رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين {استغنى} هو المفعول الثاني {إِنَّ إلى رَبّكَ الرجعى} تهديد للإنسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات. والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أي إن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك {أَرَءيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى} أي أرأيت أبا جهل ينهى محمداً عن الصلاة {أَرَءيْتَ إِن كَانَ على الهدى} أي إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله {أَوْ أَمَرَ بالتقوى} أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد {أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى} أرأيت إن كان ذلك الناهي مكذباً بالحق متولياً عنه كما نقول نحن {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله، وهذا وعيد وقوله {الذى ينهى} مع الجملة الشرطية مفعولا {أَرَأَيْتَ} وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى؟ وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ و{أَرَأَيْتَ} الثانية مكررة زائدة للتوكيد.

.تفسير الآيات (15- 19):

{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}
{كَلاَّ} ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة الأصنام. ثم قال: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ} عما هو فيه {لَنَسْفَعاً بالناصية} لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع: القبض على الشيء وجذبه بشدة، وكتبها في المصحف بالألف على حكم الوقف، واكتفى بلام العهد عن الإضافة للعلم بأنها ناصية المذكور {نَاصِيَةٍ} بدل من {الناصية} لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله {كاذبة خَاطِئَةٍ} عن الإسناد المجازي وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك (ناصية كذاب خاطئ) {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية} النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم، والمراد أهل النادي. روي أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلي فقال: ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزل. والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع، والمراد ملائكة العذاب وعنه عليه السلام: «لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عياناً» {كَلاَّ} ردع لأبي جهل {لاَ تُطِعْهُ} أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله {فَلاَ تُطِعِ المكذبين} [القلم: 8] {واسجد} ودم على سجودك يريد الصلاة {واقترب} وتقرب إلى ربك بالسجود فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث والله أعلم.

.سورة القدر:

مكية وقيل مدنية وهي خمس آيات.

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
{إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر} عظم القرآن حيث أسند إنزاله إليه دون غيره. وجاء بضميره دون اسمه الظاهر للاستغناء عن التنبيه عليه ورفع مقدار الوقت الذي أنزله فيه. روي أنه أنزل جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة. ومعنى ليلة القدر ليلة تقدير الأمور وقضائها. والقدر بمعنى التقدير، أو سميت بذلك لشرفها على سائر الليالي وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان، كذا روى أبو حنيفة رحمه الله عن عاصم عن ذرّ أن أبيّ بن كعب كان يحلف على ليلة القدر أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وعليه الجمهور. ولعل الداعي إلى إخفائها أن يحيى من يريدها الليالي الكثيرة طلباً لموافقتها، وهذا كإخفاء الصلاة الوسطى، واسمه الأعظم، وساعة الإجابة في الجمعة، ورضاه في الطاعات، وغضبه في المعاصي. وفي الحديث: «من أدركها يقول اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني» {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر} أي لم تبلغ درايتك غاية فضلها.
ثم بين له ذلك بقوله {لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ليس فيها ليلة القدر. وسبب ارتفاع فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من تنزل الملائكة والروح وفصل كل أمر حكيم. وذكر في تخصيص هذه المدة أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي {تَنَزَّلُ الملائكة} إلى السماء الدنيا أو إلى الأرض {والروح} جبريل أو خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة أو الرحمة {فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ} أي تنزل من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى قابل وعليه وقف {سلام هِىَ} ما هي إلا سلامة خبر ومبتدأ أي لا يقدّر الله فيها إلا السلامة والخير ويقضي في غيرها بلاء وسلامة، أو ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين. قيل: لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة {حتى مَطْلَعِ الفجر} أي إلى وقت طلوع الفجر. بكسر اللام: علي وخلف، وقد حرم من السلام الذين كفروا والله أعلم.

.سورة البينة:

مختلف فيها وهي ثمان آيات.

.تفسير الآيات (1- 8):

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}
{لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ} بمحمد صلى الله عليه وسلم {مّنْ أَهْلِ الكتاب} أي اليهود والنصارى وأهل الرجل أخص الناس به وأهل الإسلام من يدين به {والمشركين} عبدة الأصنام {مُنفَكّينَ} منفصلين عن الكفر وحذف لأن صلة (الذين) تدل عليه {حتى تَأْتِيَهُمُ البينة} الحجة الواضحة والمراد محمد صلى الله عليه وسلم يقول: لم يتركوا كفرهم حتى يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث أسلم بعض وثبت على الكفر بعض {رَسُولٌ مّنَ الله} أي محمد عليه السلام وهو بدل من {البينة} {يَتْلُواْ} يقرأ عليهم {صُحُفاً} قراطيس {مُّطَهَّرَةٍ} من الباطل {فِيهَا} في الصحف {كُتُبٌ} مكتوبات {قَيّمَةٌ} مستقيمة ناطقة بالحق والعدل {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة} فمنهم من أنكر نبوته بغياً وحسداً، ومنهم من آمن. وإنما أفرد أهل الكتاب بعدما جمع أولاً بينهم وبين المشركين، لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.
{وَمَا أُمِرُواْ} يعني في التوراة والإنجيل {إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من غير شرك ولا نفاق {حُنَفَاء} مؤمنين بجميع الرسل مائلين عن الأديان الباطلة {وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكواة وَذَلِكَ دِينُ القيمة} أي دين الملة القيمة {إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين في نَارِ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا أَوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ البرية إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ البرية} ونافع يهمزهما والقراء على التخفيف، والنبي والبرية مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جنات عَدْنٍ} إقامة {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً رَّضِىَ الله عَنْهُمْ} بقبول أعمالهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بثوابها {ذلك} أي الرضا {لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} وقوله {خَيْرُ البرية} يدل على فضل المؤمنين من البشر على الملائكة، لأن البرية الخلق، واشتقاقها من برأ الله الخلق. وقيل: اشتقاقها من البرَى وهو التراب، ولو كان كذلك لما قرءوا {البريئة} بالهمز كذا قاله الزجاج والله أعلم.

.سورة الزلزلة:

مختلف فيها وهي ثمان آيات.

.تفسير الآيات (1- 8):

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
{إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} أي إذا حركت زلزالها الشديد الذي ليس بعده زلزال. وقرئ بفتح الزاء فالمكسور مصدر والمفتوح اسم {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} أي كنوزها وموتاها جمع ثقل وهو متاع البيت، جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالاً لها {وَقَالَ الإنسان} زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك عند النفخة الثانية حين تزلزل وتلفظ موتاها أحياء فيقولون ذلك لما يبهرهم من الأمر الفظيع كما يقولون {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] وقيل: هذا قول الكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} [يس: 52] {يَوْمَئِذٍ} بدل من (إذا) وناصبها {تُحَدّثُ} أي تحدث الخلق {أَخْبَارَهَا} فحذف أول المفعولين لأن المقصود ذكر تحديثها الإخبار لا ذكر الخلق. قيل: ينطقها الله وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وفي الحديث: «تشهد على كل واحد بما عمل على ظهرها» {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} أي تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها أي إليها وأمره إياها بالتحديث {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس} يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف {أَشْتَاتاً} بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين، أو يصدرون عن الموقف أشتاتاً يتفرق بهم طريقا الجنة والنار {لّيُرَوْاْ أعمالهم} أي جزاء أعمالهم {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} نملة صغيرة {خَيْرًا} تمييز {يَرَهُ} أي ير جزاءه {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} قيل: هذا في الكفار والأول في المؤمنين. ويروى أن أعرابياً أخر خيراً يره فقيل له: قدمت وأخرت فقال:
خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه ** كلا جانبي هرشي لهن طريق

وروي أن جد الفرزدق أتاه عليه السلام ليستقرئه فقرأ عليه هذه الآية فقال: حسبي حسبي، وهي أحكم آية وسميت الجامعة والله أعلم.

.سورة العاديات:

مختلف فيها وهي إحدى عشرة آية.

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
{والعاديات ضَبْحاً} أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح، والضبح: صوت أنفاسها إذا عدون. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكاه فقال: أح أح. وانتصاب {ضَبْحاً} على يضبحن ضبحاً {فالموريات} تورى نار الحباحب وهي ما ينقدح من حوافرها {قَدْحاً} قادحات صاكات بحوافرها الحجارة، والقدح: الصك، والإيراء: إخراج النار، تقول: قدح فأورى وقدح فأصلد. وانتصب {قَدْحاً} بمانتصب به {ضَبْحاً} {فالمغيرات} تغير على العدو {صُبْحاً} في وقت الصبح {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} فهيجن بذلك الوقت غباراً {فَوَسَطْنَ بِهِ} بذلك الوقت {جَمْعاً} من جموع الأعداء ووسطه بمعنى توسطه. وقيل: الضمير لمكان الغارة أو للعدو الذي دل عليه. {والعاديات} وعطف {فَأَثَرْنَ} على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه لأن المعنى واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن. وجواب القسم {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} لكفور أي إنه لنعمة ربه خصوصاً لشديد الكفران {وَإِنَّهُ} وإن الإنسان {على ذلك} على كنوده {لَشَهِيدٌ} يشهد على نفسه، أو وإن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد {وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ} وإنه لأجل حب المال لبخيل ممسك، أو إنه لحب المال لقوي وهو لحب عبادة الله ضعيف {أَفَلاَ يَعْلَمُ} الإنسان {إِذَا بُعْثِرَ} بعث {مَا في القبور} من الموتى و(ما) بمعنى (من) {وَحُصِّلَ مَا في الصدور} ميز ما فيها من الخير والشر {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} لعالم فيجازيهم على أعمالهم من الخير والشر، وخص {يَوْمَئِذٍ} بالذكر وهو عالم بهم في جميع الأزمان لأن الجزاء يقع يومئذ والله أعلم.